الشركات الدولية تتسابق على توليد الطاقة المتجددة في مصر ( تقرير )

خلال صيف 2023، تم الإعلان عن استثمارات إماراتية وسعودية لتوليد كهرباء من الرياح بطاقة تعادل 20 جيجاوات، وهو رقم هائل بالنظر إلى أن حجم المشروعات المنفذة أو الجاري تنفيذها في هذا المجال لا يتعدى ربع هذه الطاقة. ولم يقتصر الأمر على الخليج، فخلال الأشهر الماضية تم الإعلان عن استثمارات أخرى في المجال نفسه لشركات فرنسية وألمانية ونرويجية ويابانية، ما يجعل قطاع الطاقة المتجددة في مصر واحدًا من أبرز مجالات الاستثمار الأجنبي هذا العام، فما أبرز الأسباب التي تجذب الشركات الدولية لهذا المجال؟ "العديد من الاتفاقيات الجديدة التى وقعتها مصر مؤخرًا سيتم تنفيذها في محافظة سوهاج" كما يقول مصدر بمكتب وزير الكهرباء موضحًا أن سوهاج باتت نقطة جذب للعديد من الاستثمارات الأجنبية في مصر خلال الوقت الراهن. وتتركز أنباء الاتفاقات الأخيرة مع المستثمرين الأجانب على مشروعات الطاقة المتجددة في غرب سوهاج، التي اجتذبت استثمارات ضخمة في طاقة الرياح، منها مشروع أكوا باور السعودية، ومصدر الإماراتية، اللذان ينوي كل منهما بناء محطات بطاقة 10 جيجياوات، بجانب مشروع سكاتك النرويجية في المنطقة نفسها بطاقة 5 جيجاوات، وآخر لكونسورتيوم يضم إنجي الفرنسية وتويوتا تسوشو اليابانية، بطاقة 3 جيجاوات. ويقول نائب رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، إيهاب اسماعيل إن "المشروعات المطروحة من المستثمرين في منطقة غرب سوهاج "ستنتج إجمالًا 28 ألف ميجاوات، باستثمارات بقيمة 28 مليار دولار". وتمثل هذه الاستثمارات، حال تنفيذها، طفرة في حجم الطاقة المتجددة التي ينتجها القطاع الخاص من الرياح، فحسب آخر التقارير المتاحة من هيئة الطاقة المتجددة، فإن إجمالي إنتاج المشروعات المنفذة أو جارٍ تنفيذها في مجال طاقة الرياح من القطاعين العام والخاص بلغ نحو 4.6 جيجاوات. ويقول إسماعيل "يتم الآن تسليم الأراضي التي ستقام عليها هذه المشروعات، على أن تبدأ الإنتاج كما هو متوقع في 2026". من جهة أخرى، يبلغ حجم مشروعات الطاقة الشمسية في مصر نحو 3 جيجاوات، بينما تخطط "إيميا باور" التابعة للنويس الإماراتية لإنشاء محطة جديدة بثلث هذه الطاقة، في أسوان. وتمثل أسوان نقطة جذب ثانية للمستثمرين، إذ سبق واجتذبت عددًا كبيرًا من المشروعات الصغيرة في مشروع "بنبان"، بجانب الاستثمارات التي توجهت لتأسيس محطات كبرى في كوم أمبو. ويُرجع رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، محمد الخياط، إقبال الاستثمار الأجنبي على نشاطي الطاقة الشمسية والرياح في مصر إلى ما قامت به "الدولة مؤخرًا من إتاحة العديد من التسهيلات لجذب المستثمرين". وأوضح أن التسهيلات تمثلت في إتاحة أراضٍ لكافة المستثمرين "لدينا أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع، تابعة للهيئة بمناطق خليج السويس، شرق وغرب النيل، كوم أمبو، غرب أسوان وغرب سوهاج". كما يتمتع المستثمر في الطاقة المتجددة بـ"تخفيضات في الرسوم الجمركية على المكونات المستوردة بنسبة 2%، بجانب استفادته من البنية التحتية للشبكة الكهربية في مصر" يضيف الخياط. ويشير إلى استفادة هذه المشروعات أيضًا من "خفض ضريبة القيمة المضافة على معداتها من 14% إلى 5%". ولا تكفي الامتيازات وحدها لجذب الاستثمار، ولكن الطلب على الطاقة يعد حافزًا أساسيًا أيضًا للمستثمرين، خاصة مع استهداف وزارة الكهرباء لمضاعفة نصيب الطاقات المتجددة من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول 2035، بحيث تكون مسؤولة عن إنتاج 42% من الطاقة الكهربائية. ويبرم مستثمرون تعاقدات طويلة المدى مع الدولة لبيع الطاقة المتجددة، بهدف إعادة دمجها في الشبكة الكهربية التابعة للدولة، على سبيل المثال تشير "أكوا باور" على موقعها إلى أن محطة السويس لطاقة الرياح وكوم أمبو للطاقة الشمسية تم تأسيسهما على أساس اتفاقية لشراء الطاقة، مدتها خمسة وعشرون عامًا. وفي 2014 أصدر رئيس الوزراء قرارًا بتحديد تعريفة للسعر الذي تشتري بها الدولة الطاقة الكهربية المنتجة من محطات الرياح والطاقة الشمسية، يحدد على أساس معادلة تأخذ في اعتبارها سعر صرف الدولار. ويشير نائب رئيس هيئة الطاقة المتجددة إلى أن هذه السوق في مصر لا تقتصر على فرص البيع للدولة، ولكن أيضًا يمكن بيع الطاقة مباشرة للقطاع الخاص. "القوانين المصرية تسمح للشركات المنتجة للطاقة المتجددة ببيع الكهرباء إلى المصانع مباشرة دون وسيط"، يقول إسماعيل. ويضيف نائب رئيس الهيئة أن العديد من المستثمرين اتجهوا مؤخرًا لإنشاء "محطات صغيرة ومتوسطة تنتج حتى 20 ميجاوات، وهذا النوع من المحطات عادة ما يخصص لتوفير الطاقة لمصنع أو قرية سياحية يتم بيع الطاقة لها مباشرة". ويضيف إسماعيل أن "هناك آلية جديدة ستُطبق العام المقبل بالنسبة للشركات العاملة في الطاقة المتجددة، وسيعلن عنها جهاز مرفق الكهرباء نهاية هذا العام، التي ستمكن محطات الكهرباء من بيع إنتاجها مباشرة إلى المصانع، بحيث تمد شركة نقل الكهرباء (التابعة للدولة) هذا المصنع بالكهرباء المنتجة، وما تحصل عليه شركة نقل الكهرباء هو حق الانتفاع لنقلها الكهرباء المنتجَة". ومع انطلاق أعمال قمة المناخ السابعة والعشرين في مصر العام الماضي، وقعت الحكومة المصرية العديد من مذكرات التفاهم للتخطيط لإنشاء مشروعات تعتمد على الهيدروجين الأخضر في أنشطة مثل إنتاج الوقود البحري النظيف أو الأمونيا النظيفة، ودخلت في هذه المشروعات العديد من أسماء الشركات المستثمرة في الطاقة المتجددة بمصر مثل مصدر أو سكاتك. وفي حالة تنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر، سيكون ذلك بمثابة سوق جديدة للطاقة المتجددة، إذ تعتمد وحدات الهيدروجين الأخضر على الطاقة النظيفة بالأساس. وتسعى الدولة بقوة لتحفيز نشاط الهيدروجين الأخضر، إذ وافقت لجنة البيئة في البرلمان هذا الشهر على قانون يقدم حوافز استثمارية لمحطات الطاقة المتجددة التي تخصص نسبة لا تقل عن 95% من إنتاجها لتغذية مصانع إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، ومحطات إنتاج المياه المحلاة. إجمالًا، تتضافر العديد من العوامل في الوقت الراهن على جعل "الطاقة المتجددة" واحدة من أبرز المجالات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، خاصة مع صعود لاعبين إقليميين كبار في هذا المجال من الشركات السعودية والإماراتية، كما يقول نائب رئيس هيئة الطاقة. ويشير إسماعيل إلى أن الظروف الراهنة تساعد مصر على الاستفادة من مواردها الطبيعية "مع تميز البيئة المصرية بسطوع قوي للشمس مع حركة رياح قوية".